حتى الانفجار الضخم الذي هزّ بيروت وضواحيها، لم يكن كافيًا ليهزّ ضمائر المسؤولين، إن وُجدت طبعًا. فمنذ اللحظة الأولى لوقوع فاجعة المرفأ، لم يستفق حكام البلد من نومهم العميق ولم يتكبّدوا عناء الاطمئنان عن شعبهم.
ولكن، كي نكون منصفين، ربما استفاقوا وتأهبوا نعم، ولكن ليتفقّدوا ممتلكاتهم الخاصة وأماكن سكنهم، غير آبهين للمصائب التي حلّت بالشعب. فأحدهم طمأننا أنه بخير لكن نوافذ قصره محطّمة، وآخر راح يلملم الأعلام اللبنانية من أرض سراياه، في حين أن لبنان بأكمله سقط أرضًا، مع سقوط أبنائه الأبرياء الذين راحوا ضحية فساد وإهمال واستهتار منظومة فاسدة حاكمة منذ عشرات السنين.
حكامنا تأهبوا لنفض الغبار عن ممتلكاتهم، مع القليل من الاستنكار والاستهجان والتصاريح الإعلامية “الكليشيه” التي لا تقدّم ولا تؤخّر. أمّا الشعب، فتأهّب للمساعدة ومن ثم المحاسبة، حيث شهدت شوارع العاصمة في اليوم الثاني من وقوع الكارثة في المرفأ، اعدادًا كبيرة من الشبان والشابات الذين قصدوا بيروت من كافة المناطق اللبنانية لإزالة آثار الانفجار ومخلفاته، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية وغيرها، والوقوف الى جانب اخواتهم في الوطن ممن تضرروا جرّاء الانفجار.
“يوم الحساب آتٍ”، هذا هو الشعار الذي ردّده اللبنانيون منذ اللحظة الأولى للحادث الأليم، حيث دعا الناشطون والمنظمات الشبابية والمجتمع المدني والمتضرّرون من كارثة بيروت للنزول الى الشارع اليوم السبت، في رسالة واضحة للمنظومة الحاكمة التي لم تقدّم للبلد ولأهله سوى الخراب والدمار.
موقع “أحوال” تواصل مع الناشط السياسي أدهم الحسنية، الذي أشار الى أن التحرك اليوم سيبدأ عند الساعة الثالثة بعد الظهر من أمام شركة كهرباء لبنان، وعند الرابعة من ساحة الشهداء وسط بيروت.
أما أبرز الشعارات التي يحملها، بحسب الحسنية، فهي “رحيل المنظومة التي كانت في البداية فاسدة وناهبة، لكنها باتت اليوم قاتلة. فالإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت لم يحدث سوى نتيجة تراكمات فساد واهمال وعمليات محاصصة على حساب مصلحة الشعب وسلامته وأمنه، لذا يجتمع اللبنانيون اليوم على فكرة واحدة، هي أن هذه المنظومة المجرمة يجب أن تدفع ثمن ما اقترفت من مجازر بحق لبنان وأبنائه.
ولأن الثقة بين المواطن والدولة باتت معدومة، اعتبر الحسنية أن توقيف كل من المدير العام للجمارك اللبنانية بدري ضاهر والمدير العام السابق شفيق مرعي ومدير عام مرفأ بيروت حسن قريطم لا يشفي غليل المواطنين ولا يسكّن وجعهم، خصوصًا في ظل وجود قضاء مسيّس، وتسويات سياسية وطائفية بين القضاء والسياسيين وموظفي الدولة، لذا بات معروفًا كيف ستسير الأمور، ومن غير المستبعد إطلاق سراح هؤلاء لاحقًا دون أي محاسبة حقيقية وشفّافة.
من جهة أخرى، رأى الناشط الحسنية أن الموظفين في الدولة، سواء كان في الجمارك أو غيرها، هم أدوات بيد المنظومة الحاكمة، لذا فهناك مسؤولية سياسية وأخرى جرمية مباشرة على منفذي فاجعة المرفأ، ولكن هناك أيضًا سلطة سياسية خطّطت وقامت بممارسات مشبوهة وتعيينات عشوائية حصلت في الإدارات العامة، أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.
من هنا، لفت الحسنية في حديثة لموقعنا إلى أن المواجهة اليوم لم تعد بين السلطة والمجتمع المدني كحراك سياسي تغييري، إنما هي بين سلطة ومنظومة حاكمة وفاسدة من جهة، وبين شعب غاضب من ممارسات وإجرام هذه المنظومة، خصوصًا بعد ما حصل في مرفأ بيروت وطال اللبنانيين في سائر المناطق.
إذًا، الشعب قال كلمته ويستعد للتنفيذ اليوم، لن يقبل إلا بالمحاسبة حتى وإن استدعى الأمر العودة إلى اعتماد قانون الإعدام في لبنان، لأن مع وجود هكذا سلطة فاسدة، مهملة وغير مسؤولة، وغياب المحاسبة الحقيقية، لم يبقَ خيار سوى الإعدام، علّهم يتّعظون!
ياسمين بوذياب